شهدت دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة تحولات جذرية في سياسات الهجرة واللجوء، وذلك استجابة للتحديات المتزايدة المتعلقة بتدفقات المهاجرين واللاجئين. تأتي هذه التعديلات في سياق سياسي واجتماعي معقد، حيث تسعى الدول الأعضاء إلى تحقيق توازن بين احتياجاتها الأمنية والاقتصادية، والالتزامات الإنسانية والأخلاقية

التعديلات الجديدة على قوانين الهجرة في أوروبا

في هذا المقال، سنستعرض أبرز التعديلات التي طرأت على قوانين الهجرة في الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على السياسات المشتركة والتغيرات في التشريعات الوطنية

الميثاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء

خلفية الميثاق

في مايو 2024، وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على ميثاق جديد للهجرة واللجوء، يهدف إلى معالجة التحديات المستمرة في هذا المجال وتقليل جاذبية الخطاب اليميني المتطرف المتصاعد

جاء هذا الميثاق بعد مفاوضات مطولة بين الدول الأعضاء، حيث تم التوصل إلى توافق حول عدة تشريعات تهدف إلى تنظيم عملية استقبال المهاجرين واللاجئين ومعالجة طلبات اللجوء بفعالية أكبر

أبرز ملامح الميثاق
  • إجراءات فحص محكمة: يتضمن الميثاق الجديد آليات دقيقة لفحص المهاجرين غير النظاميين لتحديد مدى أهليتهم للحصول على الحماية أو اللجوء
  • تسريع عمليات الترحيل: بالنسبة للأفراد الذين لا يستوفون معايير الحماية، يتم تسريع إجراءات الترحيل إلى بلدانهم الأصلية أو إلى دول ثالثة آمنة
  • توزيع المسؤوليات: يهدف الميثاق إلى توزيع أكثر توازناً للمسؤوليات بين الدول الأعضاء، مع تقديم دعم إضافي للدول التي تواجه ضغوطاً أكبر بسبب موقعها الجغرافي
  • التعاون مع الدول الخارجية: تعزيز الشراكات مع الدول المصدرة والممر للمهاجرين، بهدف الحد من تدفقات الهجرة غير النظامية ومعالجة جذور المشكلة
الاتحاد الأوروبي ـ ميثاق الهجرة الجديد والإصلاحات (ملف) - المركز الأوروبي  لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

التعديلات في السياسات الوطنية

ألمانيا

في سبتمبر 2024، أعادت ألمانيا فرض الرقابة على حدودها الداخلية بهدف الحد من دخول المهاجرين غير النظاميين. كما شددت برلين شروط الدخول والإقامة، مع التركيز على تعزيز الأمن الداخلي والتأكد من هوية الوافدين

فرنسا

أعلنت الحكومة الفرنسية عن نيتها تقديم قانون هجرة جديد في عام 2025، يهدف إلى معالجة “الفوضى” المرتبطة بالهجرة غير النظامية

يتضمن القانون المقترح مراجعة شاملة لسياسات اللجوء والإقامة، مع التركيز على تعزيز الاندماج وتسهيل عمليات الترحيل للمرفوضة طلباتهم

إيطاليا

بدأت إيطاليا في أكتوبر 2024 بتنفيذ اتفاقية مع ألبانيا، حيث تم نقل مجموعة من المهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر إلى مراكز استقبال في الأراضي الألبانية

تهدف هذه الخطوة إلى معالجة طلبات اللجوء خارج حدود الاتحاد الأوروبي، وتقليل الضغط على مراكز الاستقبال الإيطالية

التحديات والانتقادات

الانتقادات الحقوقية

أثار الميثاق الجديد انتقادات من منظمات حقوق الإنسان، التي أعربت عن قلقها من إمكانية احتجاز المهاجرين على الحدود وأخذ بصمات الأطفال، بالإضافة إلى مخاوف بشأن انتهاك حق اللجوء من خلال سياسات الترحيل السريعة

التحديات التنفيذية

تواجه الدول الأعضاء تحديات لوجستية ومالية في تنفيذ التعديلات الجديدة، خاصة فيما يتعلق بإنشاء مراكز استقبال جديدة وتدريب الكوادر البشرية للتعامل مع الإجراءات المستحدثة

التعاون الدولي

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التعاون مع دول المنشأ والعبور، مثل تونس وموريتانيا، من خلال تقديم مساعدات تنموية واقتصادية مقابل تعزيز هذه الدول لإجراءات مراقبة الحدود والحد من تدفقات الهجرة غير النظامية

الهجرة واللجوء تثير الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي - المركز الأوروبي  لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

تأثير التعديلات على العمالة المهاجرة

  • الاتحاد الأوروبي يعمل على تبسيط إجراءات تأشيرات العمل لجذب العمال المهرة، خاصة في القطاعات التي تعاني من نقص في اليد العاملة مثل التكنولوجيا، الصحة، والبناء
  • بعض الدول، مثل ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، أطلقت برامج جديدة تسمح للمهاجرين غير النظاميين بتسوية أوضاعهم إذا كانوا يعملون في وظائف مطلوبة لفترة معينة
  • تشجيع الهجرة القانونية من خلال إصلاح قوانين البطاقة الزرقاء الأوروبية، مما يسهل على المتخصصين المهرة من خارج الاتحاد الأوروبي الحصول على تصاريح عمل وإقامة أسرع

تحديثات على سياسات اللجوء والإقامة

  • فرض قيود على مدة معالجة طلبات اللجوء، حيث تسعى بعض الدول إلى تقليل الفترة الزمنية للبت في الطلبات إلى 6 أشهر كحد أقصى
  • العمل على تحسين ظروف مراكز الاستقبال، خاصة في الدول التي تشهد تدفقات كبيرة من اللاجئين، مثل إيطاليا واليونان
  • تزايد اعتماد الاتحاد الأوروبي على الدول الثالثة الآمنة، حيث يمكن إعادة بعض طالبي اللجوء إلى دول أخرى قبل النظر في طلباتهم، بشرط أن تكون هذه الدول آمنة وتوفر الحماية القانونية الكافية

تشديد الرقابة على الحدود الأوروبية

  • تعزيز المراقبة على الحدود الخارجية عبر تقوية وكالة “فرونتكس” (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل) وزيادة عدد أفرادها وتمويلها
  • تطوير تقنيات جديدة للكشف عن عمليات العبور غير الشرعية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار لمراقبة الحدود البحرية والبرية
  • توقيع اتفاقيات مع دول الجوار مثل تونس والمغرب لتشديد المراقبة على الحدود مقابل تقديم مساعدات مالية واقتصادية لهذه الدول

تغييرات في برامج لمّ الشمل العائلي

  • بعض الدول، مثل هولندا والسويد، قامت بتشديد شروط لمّ الشمل العائلي، حيث أصبح مطلوبًا من المهاجرين إثبات دخل مستقر وإقامة دائمة قبل التقدم بطلب لجلب أفراد أسرهم
  • في المقابل، تسعى بعض الدول مثل إسبانيا والبرتغال إلى تسهيل إجراءات لمّ الشمل، خاصة للأشخاص الحاصلين على إقامة طويلة الأمد

تأثير القوانين الجديدة على المهاجرين غير النظاميين

  • زيادة عدد عمليات الترحيل للمهاجرين المرفوضة طلباتهم، مع اعتماد سياسة ترحيل سريعة لتخفيف الضغط على مراكز الإيواء
  • في المقابل، هناك دعوات لمنح إقامة إنسانية للمهاجرين غير النظاميين الذين عاشوا في أوروبا لفترة طويلة ولديهم اندماج جيد في المجتمع

الإصلاحات المتوقعة في 2025 وما بعدها

  • الاتحاد الأوروبي يسعى إلى إطلاق نظام رقمي موحد لتقديم طلبات اللجوء والهجرة، مما يسهل عملية التقديم ويقلل من التأخيرات البيروقراطية
  • من المتوقع أن تواصل الدول الأوروبية التعاون مع دول الجوار لتقليل أعداد المهاجرين غير الشرعيين مقابل تقديم دعم اقتصادي لهذه الدول
  • استمرار النقاش حول إصلاح نظام “دبلن”، الذي يُلزم الدولة الأولى التي يدخلها المهاجر بتحمل مسؤولية طلب اللجوء. بعض الدول تضغط لإجراء تعديلات لضمان توزيع أكثر عدالة للمسؤوليات
الاتحاد الأوروبي يتوصل إلى اتفاق حول إصلاح واسع لنظام الهجرة | الشرق للأخبار

الخلاصة

تعكس التعديلات الجديدة على قوانين الهجرة في دول الاتحاد الأوروبي محاولة لتحقيق توازن بين الاحتياجات الأمنية والالتزامات الإنسانية. ورغم التحديات والانتقادات، فإن هذه التعديلات تمثل خطوة نحو نظام هجرة أكثر تنسيقاً وفعالية داخل الاتحاد الأوروبي

مقالات ذات صلة